أستاذي العزيز... شكراً
في تلك الأرض البعيدة حيث الطبيعة الساحرة والجمال الأخاذ... حيث الجبال تقف شامخة وهي تبتسم فقد كساها اللون الأخضر بهجةً وأنساً....جبال لكنها تختلف عن جبالنا العابسة والتي كساها اللون الرمادي ثوب الحزن.... هناك أطلقتها زفرة شعرت بحرارتها تعانق صفحات خدي وأنا أتأمل في وجوه غريبة لا تعرفني ولا أعرفها.... حينها شعرت بالحرية والانطلاق فلا قيود تكبلني ولا عيون تراقبني.... افعل ما شئت وتمتع كما تشاء فأنت غريب وهم غرباء.....
شعرت في تلك اللحظة أن الحياء الذي يمنعني كلما هممت بالمعاصي قد تركته في بلدي.... شعرت أن الخوف الذي يحول بيني وبين الشهوات قد تلاشى.... هناك قررت أن أعقد صداقة حميمة مع إبليس.... خلعت ملابسي وتخلصت من كل شيء يذكرني بالماضي وخرجت في الطرقات.... تجولت بعيني في الرائح والغادي.... بقايا من الحياء تعاودني كلما وقعت عيني على امرأة...
اعلنت الحرب على الإرهاب الذي يعاودني بين لحظة وأخرى... إستعنت فيها بخبرات الرفقاء.... توالت النصائح من كل حدب وصوب... هيا.. إعتمد على نفسك، ممّ تخاف؟...
مضى الوقت سريعاً شعرت بعدها بالفشل.... وقفت حيران لا أدري ماذا أفعل؟ اقترب مني رجل ومعه فتاتان.... صوبت نظري إليهما ثم أرخيت رأسي.... قلت في نفسي: ألا تستح ألا ترى الرجل الذي معهما؟ ربما يكون مسكين....
سألني: هل أنت زائر؟
قلت له: نعم...
سكت لحظة وتقدمت الفتاتان نحوي بعد أن أشار لهما....
شعرت بالحرج والخوف....
هل ترغب في اصطحاب أحدهما؟ قالها بلهجة ركيكة لكنها إنطلقت كالسهم، أصابتني الدهشة وإنعقد لساني وتصبب العرق مني...
لحظة من الصمت، جعلت الرجل يتقدم نحوي ويمسك بيدي هيا إختر ولن نختلف... تأملت الفتاتين... إخترت أحدهما؟
سرت معها في طرقات المدينة وعند أحد المطاعم توقفت.... دخلنا المطعم وفي أول طاولة جلسنا.... عندها ودعت الحياء الوداع الأخير، أما الخوف قد أدرجته في أكفانه... جلست وعيناي لا تتجاوز حدود الفتاة....
وهناك في طاولة بعيدة جلس رجل يرمقني بنظرات لم أتنبه له في أول الأمر.... تلك النظرات أثارت إهتمام الفتاة معي....
التفت نحو الرجل فقد شعرت بالغضب يتسلل إليّ... همهمت: حتى هنا؟؟! صوبت نظري نحوه.. عندها إنعقد لساني، وبدت الدهشة على وجهي شعرت وكأن صفعة قوية نزلت على رأسي... دارت بي الأرض من هول المفاجأة.... لقد كان الرجل أستاذي في الجامعة.... كان يصوب نظره بقوة نحوي...
أغمضت عيني، تحولت بنظري إلى مكان آخر.... رعشة سرت في جسدي...الخوف والحياء عادا يدبان من جديد... لم أعد أرى شيئاً، ولم أعد أسمع شيئاً...أما الفتاة فظلت ساكنة تراقب ما يحدث....
التفت بهدوء نحو أستاذي ثم أرخيت رأسي... لا زال ينظر نحوي.... أغمضت عيني، وبدأت الهواجس والأفكار تتزاحم في رأسي... وما شأنه بي؟....لماذ ينظر إلي بهذه الطريقة؟ اذهب إليه وأسمعه كلاماً يكف عنك؟
هل أنت خائف منه؟ ولماذا أخاف؟ سوف يفضحني في الجامعة....
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إنطلقت عفوية من لساني.... اتبعتها بضحكة لم تتجاوز حدود صدري...
تستعيذ من الشيطان وهو بجانبك....بل أنت ماجئت إلى هنا إلا لتكون رفيقاً للشيطان، قمت من مكاني، توجهت نحو المغسلة...سألت نفسي: أتستحي من الناس ولاتستحي من الله؟....
تخاف من بشر ولا تخاف من خالق البشر؟
أنا شاب ولا زلت صغيراً ومثلي كثير.....
صراع رهيب، دوامة الأفكار تبعدني وتقربني....
أخذت كمية من الماء نضحتها على وجهي، أغمضت عيني... وقبل أن أفتح عيني شعرت بيد تهز كتفي.... التفت وإذا بأستاذي يقف أمامي... بعزته وذلي، بقوته وضعفي، بهيبته وإنكساري....
صرخ بي فانطلقت كلماته صادقة تخترق جسدي تخاطب قلبي....أما تتقي الله تقطع هذه المسافات الشاسعة لتعصي الله؟....أما تخشى الموت أن يبغتك وأنت مع هذه الفاجرة؟... أنت... أنت تفعل جريمة الزنا.... يا أسفا عليك... كيف أطعت الشيطان وخسرت دينك؟.... أما تخشى من الإيدز والهربس والسيلان أن ينتقل إليك ويذيقك الآلام بسبب لذة وقتية؟....كيف تقابل ربك وأنت على هذه الحالة؟....أما تستحي ممن خلقك؟....
سيل الكلمات لا يتوقف كأنها أمواج بحر هادرة حطمت كل الصخور الجاثمة على صدري... جرت الدموع على خدي، لم أنطق بكلمة....
سكت لحظة لما رأى دموعي ثم قال: الآن تخرج من هذا المكان وتتخلص من هذه الفتاة، وأنا أوعدك بأن لا أفضحك؟.....
خرج من المغسلة وتركني مع نفسي لحظات.....
مسحت دموعي وأنا أسألها: لمن هذه الدموع؟
لم أملك الإجابة.....
شعرت بأنني أختنق، شعرت بالضيق ركضت نحو الشارع، توجهت بنظري إلى السماء... يارب... يارب... لك الحمد فقد أرسلت لي من ينقذني، من أوحال المعصية ومستنقع الرذيلة....
لك الحمد أرسلت لي من لا أراه في مدينتي الصغيرة ليراني في هذه البلاد الكبيرة....
شعرت بأن دموعي تحولت إلى قوة هائلة تحطم القيود والأغلال الجاثمة على صدري، وأن أنفاسي تعود إلي مرة أخرى....
سكنت نفسي واطمأن فؤادي وأنا أضع قدمي في ساحة المطار مفارقاً تلك البلاد التي تدعوك إلى الفاحشة.... مستقبلاً وطني، مشتاقأً لرؤية أستاذي....
شكراً أستاذي فقد إنتشلتني من مستنقع الرذيلة ووحل الفاحشة....
الكاتب: عبدالله الهندي.
المصدر: موقع طريق التوبة.